الأحد، 28 مارس 2010

فكر قبل أن تعمل





السلام عليكم ورحمة الله و بركاته


روي أن أحدَ الولاةِ كان يتجول ذات يوم في السوق القديم متنكراً في زي تاجر ،


وأثناء تجواله وقع بصره على دكانٍ قديمٍ ليس فيه شيء مما يغري بالشراء ،


كانت البقالة شبه خالية ، وكان فيها رجل طاعن في السن ، يجلس بارتخاء على مقعد قديم متهالك ،




ولم يلفت نظر الوالي سوى بعض اللوحات التي تراكم عليها الغبار ،


اقترب الوالي من الرجل المسن وحياه ، ورد الرجل التحية بأحسن منها ،


وكان يغشاه هدوء غريب ، وثقة بالنفس عجيبة .. وسأل الوالي الرجل :


دخلت السوق لاشتري فماذا عندك مما يباع !؟


أجاب الرجل بهدوء وثقة : أهلا وسهلا .. عندنا أحسن وأثمن بضائع السوق !!


قال ذلك دون أن تبدر منه أية إشارة للمزح أو السخرية ..


فما كان من الوالي إلا ابتسم ثم قال :


هل أنت جاد فيما تقول !؟


أجاب الرجل :


نعم كل الجد ، فبضائعي لا تقدر بثمن ، أما بضائع السوق فإن لها ثمن محدد لا تتعداه !!


دهش الوالي وهو يسمع ذلك ويرى هذه الثقة ..


وصمت برهة وأخذ يقلب بصره في الدكان ، ثم قال :


ولكني لا أرى في دكانك شيئا للبيع !!


قال الرجل : أنا أبيع الحكمة .. وقد بعت منها الكثير ، وانتفع بها الذين اشتروها .!


ولم يبق معي سوى لوحتين ..!


قال الوالي : وهل تكسب من هذه التجارة !!


قال الرجل وقد ارتسمت على وجهه طيف ابتسامة :


نعم يا سيدي .. فأنا أربح كثيراً ، فلوحاتي غالية الثمن جداً ..!


تقدم الوالي إلى إحدى اللوحتين ومسح عنها الغبار ، فإذا مكتوباً فيها :


( فكر قبل أن تعمل ) ..تأمل الوالي العبارة طويلا .. ثم التفت إلى الرجل وقال :


بكم تبيع هذه اللوحة ..!؟


قال الرجل بهدوء : عشرة آلاف دينار فقط !!


ضحك الوالي طويلا حتى اغرورقت عيناه ، وبقي الشيخ ساكنا كأنه لم يقل شيئاً ،


وظل ينظر إلى اللوحة باعتزاز .. قال الوالي : عشرة آلاف دينار ..!! هل أنت جاد ؟


قال الشيخ : ولا نقاش في الثمن !!






لم يجد الوالي في إصرار العجوز إلا ما يدعو للضحك والعجب ..


وخمن في نفسه أن هذا العجوز مختل في عقله ، فظل يسايره وأخذ يساومه على الثمن ،


فأوحى إليه أنه سيدفع في هذه اللوحة ألف دينار ..والرجل يرفض ، فزاد ألفا ثم ثالثة ورابعة


حتى وصل إلى التسعة آلاف دينار .. والعجوز ما زال مصرا على كلمته التي قالها ،


ضحك الوالي وقرر الانصراف ، وهو يتوقع أن العجوز سيناديه إذا انصرف ،


ولكنه لاحظ أن العجوز لم يكترث لانصرافه ، وعاد إلى كرسيه المتهالك فجلس عليه بهدوء ..


وفيما كان الوالي يتجول في السوق فكر ..!!


لقد كان ينوي أن يفعل شيئاً لا تأباه المروءة ، فتذكر تلك الحكمة ( فكر قبل أن تعمل !! )


فتراجع عما كان ينوي القيام به !! ووجد انشراحا لذلك ..!!


وأخذ يفكر وأدرك أنه انتفع بتلك الحكمة ، ثم فكر فعلم أن هناك أشياء كثيرة ،


قد تفسد عليه حياته لو أنه قام بها دون أن يفكر ..!!






ومن هنا وجد نفسه يهرول باحثاً عن دكان العجوز في لهفة ،


ولما وقف عليه قال : لقد قررت أن أشتري هذه اللوحة بالثمن الذي تحدده ..!!


لم يبتسم العجوز ونهض من على كرسيه بكل هدوء ، وأمسك بخرقة ونفض بقية الغبار عن اللوحة ،


ثم ناولها الوالي ، واستلم المبلغ كاملاً ، وقبل أن ينصرف الوالي قال له الشيخ :


بعتك هذه اللوحة بشرط ..!!


قال الوالي : وما هو الشرط ؟


قال : أن تكتب هذه الحكمة على باب بيتك ، وعلى أكثر الأماكن في البيت ،


وحتى على أدواتك التي تحتاجها عند الضرورة ..!!!!!


فكر الوالي قليلا ثم قال : موافق !






وذهب الوالي إلى قصره ، وأمر بكتابة هذه الحكمة في أماكن كثيرة في القصر ،


حتى على بعض ملابسه وملابس نسائه وكثير من أداواته !!!


وتوالت الأيام وتبعتها شهور ، وحدث ذات يوم أن قرر قائد الجند أن يقتل الوالي لينفرد بالولاية ،


واتفق مع حلاق الوالي الخاص ، أغراه بألوان من الإغراء حتى وافق أن يكون في صفه ،


وفي دقائق سيتم ذبح الوالي !!!!!


ولما توجه الحلاق إلى قصر الوالي أدركه الارتباك ، إذ كيف سيقتل الوالي ،


إنها مهمة صعبة وخطيرة ، وقد يفشل ويطير رأسه ..!!


ولما وصل إلى باب القصر رأى مكتوبا على البوابة : ( فكر قبل أن تعمل !! )


وازداد ارتباكاً ، وانتفض جسده ، وداخله الخوف ، ولكنه جمع نفسه ودخل ،


وفي الممر الطويل ، رأى العبارة ذاتها تتكرر عدة مرات هنا وهناك :






( فكر قبل أن تعمل ! ) ( فكر قبل أن تعمل !! ) ( فكر قبل أن تعمل !! ) .. !!


وحتى حين قرر أن يطأطئ رأسه ، فلا ينظر إلا إلى الأرض ، رأى على البساط نفس العبارة تخرق عينيه ..!!


وزاد اضطرابا وقلقا وخوفا ، فأسرع يمد خطواته ليدخل إلى الحجرة الكبيرة ،


وهناك رأى نفس العبارة تقابله وجهاً لوجه !!( فكر قبل أن تعمل !!) !!


فانتفض جسده من جديد ، وشعر أن العبارة ترن في أذنيه بقوة لها صدى شديد !






وعندما دخل الوالي هاله أن يرى أن الثوب الذي يلبسه الوالي مكتوبا عليه :


( فكر قبل أن تعمل !! ) ..


شعر أنه هو المقصود بهذه العبارة ، بل داخله شعور بأن الوالي ربما يعرف ما خطط له !!


وحين أتى الخادم بصندوق الحلاقة الخاص بالوالي ، أفزعه أن يقرأ على الصندوق نفس العبارة :


( فكر قبل أن تعمل ).. !!


واضطربت يده وهو يعالج فتح الصندوق ، وأخذ جبينه يتصبب عرقا ،


وبطرف عينه نظر إلى الوالي الجالس فرآه مبتسما هادئاً ، مما زاد في اضطرابه وقلقه ..!


فلما هم بوضع رغوة الصابون لاحظ الوالي ارتعاشة يده ،


فأخذ يراقبه بحذر شديد ، وتوجس ، وأراد الحلاق أن يتفادى نظرات الوالي إليه ،


فصرف نظره إلى الحائط ، فرأى اللوحة منتصبة أمامه ( فكر قبل أن تعمل ! ) ..!!


فوجد نفسه يسقط منهارا بين يدي الوالي وهو يبكي منتحبا ، وشرح للوالي تفاصيل المؤامرة !!


وذكر له أثر هذه الحكمة التي كان يراها في كل مكان ، مما جعله يعترف بما كان سيقوم به !!


ونهض الوالي وأمر بالقبض على قائد الحرس وأعوانه ، وعفا عن الحلاق ..






وقف الوالي أمام تلك اللوحة يمسح عنها ما سقط عليها من غبار ،


وينظر إليها بزهو ، وفرح وانشراح ، فاشتاق لمكافأة ذلك العجوز ، وشراء حكمة أخرى منه !!


لكنه حين ذهب إلى السوق وجد الدكان مغلقاً ، وأخبره الناس أن العجوز قد مات !!


= =


انتهت القصة .. ولكنها عندي ما لم تنته .. بل بدأت بشكل جديد ، وفي صورة أخرى .!


سألت نفسي :


لو أن أحدنا كتب هذه العبارة مثلا :






( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..)


كتبها في عدة أماكن من البيت ،


على شاشة جهاز الكمبويتر مثلاً ،


وعلى طاولة المكتب ،


وعلى الحائط الذي يواجهه اذا رفع رأسه من على شاشة الحاسوب ،


وفوق التلفاز مباشرة يراها وهو يتابع ما في الشاشة !!


وعلى لوحة صغيرة يعلقها في واجهة سيارته ،


وفي أماكن متعددة من البيت ، وفي مقر عمله ...!!


( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..)






( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..)






بل لو أن هذه العبارة لكثرة ما فكر فيها ، وأعاد النظر فيها ،


استقرت في عقله الباطن ، وانتصبت في بؤبؤ عينيه ، واحتلت الصدارة في بؤرة شعوره ،


وتردد صداها في عقله وقلبه ، حيثما حملته قدماه ، رآها تواجهه ..ونحو هذا ..






( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..)


أحسب أن شيئا مثل هذا لو نجح أحدنا فيه ، سيجد له اثراً بالغا في حياته ،


واستقامة سلوكه ، وانضباطاً في جوارحه ، وسيغدو مباركا حيثما كان ..!!



http://bit.ly/d9rv5q

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق